السنوات الأخيرة من حياتي كانت مليئة باهتمام متزايد بالحضريّة، الذي يتم التعبير عنها بالأساس عن طريق عالم الصحافة وعالم البحث الاكاديمي. في وقت لاحق بإمكاني القول أن "المدينة الكبيرة" كانت موجودة في خلفية حياتي منذ اللحظة التي أدركت فيها ميولي كفتى في مدينة الضواحي المطّلقة ريشون لتسيون في بداية سنوات الالفين. علاقتي مع المدينة، تل أبيب، لم تكن متتالية. بين الانتفاضة للحرب، مُيّزت الفترة، بالإضافة للعديد من الأمور، في انحدار واضح تجاه العنف القومي إلى العنف عامةً حتى في المدن المختلطة. كان الانحراف الجندريّ والجنسيّ سبب ممتاز لتوجيه الغضب المكبوت. وهكذا شكّلت تل أبيب بالنسبة لي أحيانا مسلك للهروب إلى الحياة، ما بعد الصدمة في الواقع، ولكن على الأقل ما بعد. وأحيانا شكّلت مخيّم للاجئين مثليين (لم أتخيّل في سنة 2003 وجود الأمكانيّة الكويريّة)، بسبب انعدام حريّة الاختيار. واحيانا، فقط احيانا، نجحت في تقديم بديل لتأمل مستقبلي لحياة أفضل، كتلك التي مع مزيج لطيف من العمل، المجتمع، الأمان وثقافة لا يصاحبها الشعور في الاختناق.
في سنة 2005 ذهبت للمرة الأولى لمسيرة الفخر. حدث صغير جدًّ في كل المقاييس، بالأخص مقارنةً مع المسيرات التي أقيمت في السنوات الأخيرة. الجمع الضئيل في ميدان رابين مقارنة مع وقفات السلام ليست أقل صادمة من تجربة الانفراد الوهميّة في الضواحي. مشينا في ابن جبيرول حتى حديقة اليركون محاطين في جدران وشرطة وشعور في الارتباك هل هم موجودين من اجل حمايتي اول من أجل السيطرة على خطواتي.
بعد سنتين خرجت للمرة الأولى لحفلة، خمس هويّات مزيّفة، مع صديقة التي خرجت من الخزانة امامي قبل عدة أسابيع. القائمة: الدخول الى بار مينيرفا للمثليات ومن هناك لحفلة بنات في نادي الأزياء بمجمع الدولفيناريوم. الفوضى الموجودة بين شارع النبي لمجمع الدولفيناريوم المهجور بغالبه، تعتبر كتجربة محرّرة وضاغطة في نفس الوقت. مناقضة كليًّا لحارات الصناديق المتشابهة في جنوب ريشون لتسيون. كان من الواضح أن الميول الجنسي هي لا تعتبر مشكلة كبيرة في هذا الحيّز، ولكن ايضا كان من الواضح أن المرور من هنا كانت تذكرة خروج باتجاه واحد. الحيّز الفوضويّ-المحرر بين النبي مرورًا في سوق الكرمل لتشارلز كلور علق في رأس الشاب الذي كنت عليه كبديل لكل سياق اخر مررت فيه بحياتي في الضواحي، فقط مسافة عشر دقائق سفر من هناك.
بعد سبع سنين نقلت للسكن في تل أبيب، لشقّة موجودة في سوق الكرمل، نقطة المركز للحيّز غير المنظّم من العقد السابق لحياتي. هذه المرّة طلبت من الحيّز أن يحلّ لي فوضى-ما بعد-الضواحي الذي تغلغل في داخلي. وبعد عّدة سنوات نجح في حلّ ذلك. شعرت لأول مرّة العلاقة الحميمة والاجباريّة بين الكويريّة والحضريّة.
ماذا في المدينة الذي يسمح للكويريّة؟ الكويريّة هي مؤشّر حضريّ في جوهره. مسلك هجرة باتجاه واحد من انحاء اسرائيل وأيضا من عدة مدن فلسطينيّة، ملّون في ألوان الفخر والخزي، تسلل لمدة عقود الى تل أبيب. النقلات الحادّة بين العام للخاص، بين الحميم للمجهول تسمح لوجود حيّز لما يعتبر منحرف في القرية أو في الضواحي. هناك شيء يتجسّد في عصر ما بعد الحداثة للمدينة، شيء في المدينة التي ليست بالضرورة منصاعة للعصر ما بعد الصناعة، سمح في العقود الأخيرة، أكثر من أي فترة مضت دمج العام والسياسيّ للهويّة الكويريّة.
مثلما أردت أن أظهر بواسطة علم الأنساب الخاص بي، العلاقات التاريخيّة، السياسيّة، الأقتصاديّة والمخططيّة أساسيات من أجل استيعاب المدينة وبالتالي استيعاب أنفسنا. التيّار الحضري-الجديد في نسخته الحاليّة يتحدث عن المدينة الجيّدة كمدينة مزيج متنوّع من استخدامات متداولة مثل التجارة، التوظيف وسكن; وجهات تجاريّة، شقق متنوّعة الأحجام، أبنيّة مكتظّة وأرصفة التي تسمح لأخذ نزهة لطيفة. الهدف هو خلق تنوّع بشريّ. ولكن هذا الخطاب يميل إلى التفويت عند محاولته، مرّة أخرى، بوضع افتراضات تجريبيّة وخلق نتائج علميّة التي تؤكّد النظريّات الأجتماعيّة الثقافيّة. "عند بناء واجهة تجاريّة نخلق شعور بالأمان"; أو "عند خلق قابليّة للمشيّ سيلتقي أناس مختلفون"; وبالأساس "إذا مكنّا التجدد الحضريّ وكثافة البناء سوف نقلل من أضرار أزمة المناخ، لن نحتاج إلى بناء الضواحي وسيّارات خاصّة وكثير من الناس يمكنهم الاستمتاع من المدينة". المنطق الحداثي في تجسيده النيوليبرالي.
دائمًا زاوية الرؤية الاقتصاديّة، العلميّة فقط، تخفي ظاهريًّا العنصر الأنسانيّ كعنصر ناشط وتعطيه مكانة متغيّر طال انتظاهره في اخر المعادلة. وجهة النظر النابعة من أخذ السوق على أنّه حيّز خالٍ من حدود الزمن وحيّز الذي ينظر الى المدينة على أنها حيّز تجاري، حيّز عقارات، وبذلك تحوّل المدينة وجودة الحياة فيها لسلعات. السكن في المدينة في يومنا هذا هو وضع مميّز، هذا يدلّ على مكانة الناس في داخل عالم الذي يقيس نفسه بواسطة أرقام.
مصطلحات مثل "تجدد حضريّ"، "قابليّة المشي" أو "تنوّع" يظهرون أحيانًا كعملة لغة بالية التي تهدف لأخفاء العمليّة عميقة في العقد الحاليّ – القمع والنزوح من المدينة إلى الهوامش شبه-مدنيّة، أقرب الى الضواحي يمكننا القول. هذه نتائج الخطاب المطبّع الذي يسعى إلى فرض نظام متنوّع على المدينة غير المنصاعة. أمكانيّة الميول آخذ بالزوال في مدينة الأغنياء فقط.
في تل أبيب الخاصّة بحولدايّ، الذي قال في نهاية سنوات ال-90، "المثليين هو مثل الصراصير"، أخذ مؤسسة البلديّة التي تتلقى تمويلها من قوة القانون، في سنة 2007 رعاية مسيرة الفخر. ما الذي تغيّر؟ فهم حولداي في بداية مسيرته المهنيّة أن مثل ما سمحت المدينة لوجود الكوير، هكذا سمح الكوير بوجود المدينة. ولكن حولداي فضّل قلب العلامة التجاريّة "تل أبيب لمجتمع الميم" لمنتج مُستهلِك سياحيّ في الواقع الاقتصادي لسنوات الألفين. وهذا ما كان تخريبيًّا، نتيجة تطوّر شروط سياسيّة، تحوّل لأمر راسخ ولادغ بطريقة حادّة.
في بداية الصيف تركت تل أبيب، في الوقت الحاليّ ليس لأي مكان واضح. أمكث هنا وهناك. قمت بمشاهدة مسيرة الفخر الأخيرة بالتلفاز في ريشون لتسيون، من غرفة طفولتي، مع يدين مكسورتين من حادث درّاجّة حصل معي في تل أبيب. رأيت العديدين يدخلون إلى تشارلز كلور، دولفيناريوم لم يعد موجود، المباني الجديدة تحت الأقامة. سمعت المتحدثين يكررون نفس كلمة المرور"نحن هنا من أجل الطفل الذي يرانا من منزله، ليعرف أنه ليس لوحده"، ولكنّي شعرت أني ولد وشعرت أني وحيد.
الفخر لم يكن هناك. كانت صورة التنازل للاندماج السياسيّ-العام للكوير برعاية أعضاء المجلس وسياسيّين. كان يبدو أن شيئًا ما يفقد كل ما تحوّلت الكويريّة لأكثر شهرة. الديناميكا دائمة التوسّع للميول المعبر عنه بواسطة نضالات سياسيّة دائمة وهذا لا يمرر على المنصّات وبالتأكيد لا يمرر في القناة 12. إذا كان جوهر الكوير هي السياسة وإذا كانت جوهر السياسي النضال، لذا النضال الكويريّ لا يمكن نفيه لحيّزات عديمة التاريخ وعديمة السياق لمدينة التكنولوجيا المتقدّمة الليبرالية الجديدة. مثلما لا تكمن المدينة بدون وجود الكوريّة، أيضًا الكوريّة لا تستطيع أن تتواجد بدون المدينة، وبذلك النضال الكويريّ يجب أن يناضل ضدّ الأبعاد من جفعات عمال، من نفيه شأنان أو من حارة هتكفا. النضال ضدّ حضريّة خارج تل أبيب، النضال ضدّ أسعار السكن وغلاء المعيشة ومن أجل امكانيّة للميول، مثلما علينا أن نعرف مسيرة الفخر أقيم على أنقاض حارة فلسيطنيّة المنشيّة الذين نزحوا إلى البحر والآن مغطاة بالعشب وعلى اسم وزير بريطانيّ. الهروب المستثنى من الصدمة في عصر ما بعد الصدمة، ممكنة، حسب رأيي، بواسطة النضال في الأوقات العصيبة.
دور زومر
31 عامًا، صحافي التخطيط العمراني، بيئة وعقارات، مهتم في تاريخ الحضريّة والفلسفة السياسيّة للحيّز الحضريّ، طالب للفلسفة والتاريخ في جامعة تل أبيب.
Commenti