top of page

حيّز للخطأ كمساحة امنة | عنبار روشت


المعرفة






المرة الاولى الذي عرضت امام جمهور كنت طفلة في حفلات في المدرسة الابتدائية. وبشكل سريع وجدت نفسي في دروس رقص، انضم وأترك. رغم حبي الكبير، للمنصة، الحركة والرقص- دروس الرقص تطلبوا قواعد جمالية مفصّلة. كنت طفلة شكلي الخارجي بنت واتصرف كولد. وبذلك لم تلائمني تلك الحلبة.

ذاك الشعور شديد الغروب، الشعور بأن جسمي غير ملائم لطريقة تعبيري عن نفسي.

من اجل ان اتعايش مع هذا الشعور بالخسارة، وجدت نفسي ابرز كل تفصيل انثوي موجود في وحتى جيل ٢٥ شعرت اني بعالم منفصل كليّا عن جسدي. كان من المهم لي انا اكون جميلة لكي اعوّض عن صفاتي "الذكوريّة" (وطبعًا، من دون وعي). مثل العديد من الشابات، وجدت صعوبة في التعرف على تجارب غير لطيفة في جسدي. عودت نفسي على إلغاء كل ما هو "غير لطيف" شخصي وخاص حتى تم تظليل الحدود.


كشابة صغيرة بدأت الخروج إلى حفلات خارج البلد التي ترعرعت بها. وجدت العديد من الفرص بأن ارقص بحريّة، او بالاحرى ما اعتقدته بالسابق ك"حريّة". في وقت الذي بيئتي المحيطة كانت حريصة على فرض قواعد واضحة لطرق الرقص والتعبير الخارجي عن النفس، جو الحفلات كان ك "دعارة". في وقت لاحقا كنت قادرة على القول كيف حدّ هذان الفضائين حريتي وثقتي بنفسي كلٌ بطريقته. ولكن وقتها كان شعوري متنافر حول تلك الحفلات. لم يكن هناك من يشرح لي لماذا يوجد أمور التي تمنحنا شعورًا جيّدًا لكنها مصنّفة كأمور سيئة. لم يكن هناك من يشرح لي ماذا باستطاعتي انا اعمل حين يراودني شعور غير مريح في أي حيّز. حدث العديد من الاعتداءات في تلك الفضاءات في الخفى، لكن اسكتوها في العلن - كل من ارتكب الخطأ، وكل من أدرك انه اذى نفسه أو الأخريات، يحفظ هذا السر إلى الأبد. كنا شباب الذين أرادوا الرقص في عالم مليء بالتناقضات، الفضاء الذي كان معرّف على كونه فضاءًا امنًا، تحوّل الى فضاء غير من الممكن أن تخطئ بصوت عالٍ، وبالتالي- تحوّل الى فضاء لا يقبل التغيير.


حديثًا، قمت بتقديم محاضرة عن القانون لمنع التحرش الجنسي لمجموعة كبيرة في الجنوب. قبل أن تبدأ المحاضرة تقدم الي احد العمال، رجل بالغ قال لي "أنا لست بحاجة لهذه المحاضرة، لن تضيف لي أي شيء، لقد ازعجتونا بما فيه الكفاية في موضوع التحرش الجنسي".

بعد انتهاء المحاضرة تقدم الى الرجل نفسه خجل واعترف اني ليس فقط أضفت شيئا جديدا لمعلوماته، بل فهم فجأة ان ايضا زوجته منذ ثلاثون عام تعرف عليها من خلال تحرش جنسي مستمر.

افكر في هذا الرجل وفي الاحتمال النادر للاعتراف بعد ثلاثين عام بالظلم الذي ارتكبه تجاه زوجته.


قبل بضع سنوات تمّ ابلاغي عن تحرّش جنسيّ الذي ارتكبه شاب قمت بتدريبه في نادٍ للشباب.

هذا الحدث، تركني مصدومة انا والمرشدين الاخرين، كان شابًّا خجولا، حسّاس واجتماعيّ، لم نعتقد ان شاب مثله قادر على ان يتحرش جنسيًّا، تلقى الشاب عقابًا وترك مع مشاعر الخجل والاحساس بأنه مرتكب جريمة جنس. لست متأكدة إذا فهم حقًا ماذا كان بإمكانه التغيير في تصرفاته في الموقف ذاته. أتساءل هل في السنوات اللاحقة منذ أن ارتكب جريمة التحرش الجنسي، كان للشاب نفسه مساحات اخرى كان بمقدوره أن لا يحافظ بسريّة على ارتكابه تلك المخالفة وأن يتعلم من خلالها كيف كان يجب أن يتصرف بطريقة اخرى. لا على الأرجح.


الواقع المحزن هو برغبتنا الشديدة في الحفاظ على حيّز أمن وخالٍ من التحرشات الجنسية، قمنا بإسكات مساحات القائمة من أجل التغيير والتعلم، اقصينا مساحات باستطاعتنا أن نأخذ المسؤولية فيها، اسكتنا مساحات لرجال ونساء كان بمقدورهم الاعتراف انهن\م اخطأوا في الطريقة التي عبروا او استخدموا فيها الجنس وسلطتهم.

عند شعورنا بأننا ممنوعات عن الخطأ، يصعب علينا ان نتعلم. عند كوننا خجلات من فعل ارتكبناه، المعرّف كتصرف ممنوع أو سيء، ليس هناك طريقة لأن نصلح أو نشفى من الداخل. بسبب الخجل ومحاولة الإخفاء، الحقيقة هذه تبقى في الظلام ولا تتحول إلى معلومات وتجارب تفيدنا كمجتمع.

ما دمنا نتجاهل "أخطاءنا" في حيزنا الخاص من أجل خلق خط متجانس مناسب و"صحيح" للجميع- خسرنا. خسارة فادحة.


في كل محيط اجتماعي لدينا، حفلة، عمل أو بيت، يتغلغل مفهوم التقييد. هنالك "ممنوع" ليس بإمكاننا التحدث عنه. من اجل الحفاظ على حيز امن نحن نبعد اولئك الذين أخطأوا، وفي الواقع لا نعرض أي حيز بديل للتعمق بالخطأ، لإدراكه، للعمل معه من أجل التغيير. كيف لنا أن نتوقع من الرجال أن يتعلموا حدود الحيز الأمن من دون حيز للتمرين و محادثة صريحة وجريئة؟ كيف لنا أن نتوقع من النساء أن يتعلموا ما هي حريتهن بدون مثل هذه المساحات؟


في مئات المحاضرات التي قمت بتقديمها لشباب، مجموعات وكوادر تعليمية، وفي عشرات الحفلات التي أقمتها وعملت ك"دي جي" بها، في كلٍ من هذه المناسبات احاول انا اخلق علاج مثل هذا تمامًا. أي، خلق حيّز لمنصّة سلسة وللأخطاء. من المهم التوضيح ـ هذا لا يعني انني اسمح ان تحدث تحرشات جنسية. ولكن انا اسمح وأشجع الامكانية على إجراء محادثة ، والإدراك بأنه لا يوجد هناك حد واضح وصريح وعلينا أن نجد الطرق والأدوات من أجل أن نفهم حدودي الشخصيّة وايضّا حدودي مع الأخريات والآخرين.


هذا العالم سلس وليس هزليّ، يتغيّر باستمرار، ونحن ايضا نتغير. إدراكي لهذا الأمر جعلني أفهم ان محاولتنا لتعريف حيز آمن منقوص منذ البداية. الحيّز يتحوّل إلى مكان غير آمن عند وجود تصرفات ممنوع التحدث عنها. الحيّز يكون *غير آمن* عند محاولة الحفاظ على نفس القوانين في نفس الطرق دون التطرق إلى التعقيدات. الحيّز يكون *غير امن* عندما لا يمثّلوا لنا عن طريق الجسد، الكلمات، عن طريق التوجيه وعمل متعمق - حيث لا يكون لدينا خيار الا ان نتخطى الحدود. السؤال هو ليس كيف نتصرف كي نبقي الجميع داخل الحدود، لأنه لا يوجد خيار كذلك. بل - ماذا سيحدث في حال تخطينا الحدّ.





عنبار روشت, 29.

ناشطة، دي جي ومنتجة. محاضرة وصانعة محتوى في موضوع الجندر، الجنسانية، السياسة. تعمل ضد العنف الجندري والتحرر الجنسي والجندري. سفيرة إسرائيل في البرنامج الدولي للمساواة الجندرية "Women Deliver Young Leaders" بالتعاون مع الأمم المتحدة. مرشدة ورشات في جمعية رفع الوعي وفي مسلين. عضوة قائدة في مبادرة "سياسيات شابات". مؤسسة الخلية النسوية في جامعة بن جريون. خريجة B.A في الفلسفة، الجندر وإدارة - حل النزاعات.





bottom of page