انا اذكر بالتحديد لحظة استيعابي بأني لست صهيونيّة. مثل هرتسل، لكنّي مثله ايضًا قمت باستيعاب ذلك على شرفة منزل. لكن المنظر المطّلة عليه لم يكن نهر الباجولا، بل على مسجد في وسط طمرة. هنا في هذه الأرض المدمية، في منزل صديقتي خلود. لم اقم بتذويت الأمر في قلب اللحظة، بل كانت جزء من مسيىرة تسييس مستمرة. على عكس مفاهيم اخرى ذوتّها مثل الاضطهاد الشرقيّ، الاحتلال أو تبعية التعليم المعتم - هذه المفاهيم كانت مرافقة بشعور في الحزن والانزعاج. كانوا مثل تشقق جدّي في حيطان الشيء الذي اعتبرته مثل بيتي.
مسيرة بلورة هويتي السياسيّة، المستمرة حتى اليوم، ابتدأت حين كنت طالبة للقلب الأول في الصحافة في الكليّة الأكاديميّة "سفير" وكنت اتطوّع وقتها في منحة "بيرح" في "شدروت"، عن طريق منظمة "مهباخ- تغيير".وتطبيق نظريّة "فركسيس" كان واحد من أهم فعاليات المنظمة ـ هذه السيرورة ألهمت من قبل كتابات باولو فيريرا الذي دمج بين العمل السياسيّ، الدراسة العميقة وردّة الفعل: في إطار تطوعنا في العمل الترباويّ والتعليمي مع الطالبات والطلاب في الحيّ، على مدار شهر ونص التقينا مع الطلاب من أجل تعليم مشترك الذي كان يهدف إلى بناء محادثات سياسيّة انتقاديّة، الأمر حصل على معنىً أكبر بعدما بدأت في العمل كمركّزة مع مقابل نقديّ حيث تم اضافة لقاءات وورشات مركّزة للمركزات\ين من أجل مصلحة المشروع. بالاضافة إلى ذلك، تعرّضت خلال تعليمي عن طريق المحاضرات\ين إلى نصوص وتوجهات لم أتعرض لها في حياتي من قبل، وايضًا حيّز داخل مجموعة الأصدقاء التي شكّلتها في "مهباخ- تغيير"، فيها استطعت ان استمر في البحث في داخلي وفي رؤيتي للأمور داخل بيئة حاضنة وامنة.
فهمت من هذه التجربة بأن الروايات التي تركّب الهويّات المختلفة المتقاطعة في داخلي كامرأة، كشرقيّة، كشخص من مجتمع الميم، كيهوديّة، وكأم أحادية الوصاية. لكل واحدة من هذه الهويّات، بالاضافة إلى امور اخرى، تاريخ من الاضطهاد. من خلال الدراسة قمت بتذويت الرؤية الهامّة بأن اضطهادي مرافق بمسؤولية النشاط الفعّال، سواء كان كاعتراض على السياسة والطريقة التي تمسّ في وفي مجموعاتي الهويتيّة، أو من أجل أن لا يتم اضطهاد الآخرين. وعيت سياسيّا إلى الداخل الرؤيا بأنه لا توجد هناك طريقة اخرى لاكون نسويّة شرقيّة من دون أن اكون غير صهيونيّة وضدّ الاحتلال.
على الرغم من تقديري للتغيير الذي أمُر فيه، من المهم التنويه أن الوعي الزائد لا يحوّل الحياة إلى أسهل، بل يصبح الواقع أكثر وضوحًا، وبالتالي يصبح أكثر تركيبًا وايجاعًا. ينظر إلى المفاهيم النقديّة التي اتمسّك بها من قبل العديد من بيئتي المحيطة، ايضًا القريبة جدًّا، على انها مفاهيم مخرّبة وحتى خائنة. اضطررت ان اواجه تعليقات صعبة من قبل اشخاص احبهم جدًّا في عائلتي، بين اصدقائي وشريكاتي/ شركائي في النضال. كانت هناك لحظات ظهرت فيها داخل الخطاب الشرقي على انّي "يساريّة أكثر من اللازم" أفكر فقط في الفلسطينيين، وفي الخطاب اليساري او النسويّ "الأبيض" ظهرت على أنّي "شرقيّة اكثر من اللازم"، كشخص يصرّ على فتح نقاشات بمواضيع التي يعتبرونها بدون صلة، بحثت مطوّلًا عن حيّز انتمي له انتماءً كاملًا لكنّي حتى لم استطع ان اجد له اسم - حيّز نسويّ، كويريّ غير أبيض وغير صهيونيّ.
كامرأة شرقيّة ولدت داخل عائلة بدون علاقات متشعبة وقويّة، التمسك بمفاهيم التي تعزف على الوتر العصبيّ ل "الروح اليهوديّة الثاقبة" تأتي مع دفع ثمن شخصيّ وماديّ قمت بدفعها في الماضي وعلى ما يبدو ايضّا في المستقبل. مع كل منشور انشره، او اي تعليق علنيّ، حتى كتابة هذه الجملة من المحتمل أن تلحق بي الضرر في عملي وفي علاقاتي الاجتماعيّة والعائليّة.
أحد أثمن الأمور التي خسرتها مع تطوير وعيّي السياسيّ، هي السذاجة والقدرة على أن اتأثر بسهولة من امور مع الجميع. لكن في الاونة الاخيرة حدثت عملية مروعة في بار اليكا قتل فيها ثلاثة اشخاص. حدثتني أمي بتأثر كيف اجتمع في المكان ما بعد العملية متدينين/ات علمانيات/ين وغنّوا سويّا أغنية "وهي التي وقفت". وتوقعت منّي أن أتأثر مثلها، كم هو معقّد ان اشرح ان هذا الامر لا يؤثر بي، الوضع الذي قتل فيها أشخاص من قبل شاب صغير شعر أنه لا يملك شيء ليخسره بعد، ليس مؤثر. يجب على الله أن ينقذنا بالأساس من أنفسنا وليس من تحت "قبضتهم". لذلك صمتت، كي لا أوجعهها. بقيت لوحدي مع الشعور بالعجز واليأس، وتركتها مع أملها.
صراحةً، احيانًا اشعر اني اريد ان اغمض عيني الوعي من جديد. أنا أزيح عن عيناي النظّارات النقديّة وأن أعود لكوني الفتاة التي تتشارك مع امها ومع غالبية المحيطين فيي الشعور العظيم في الفخر القوميّ الجماعيّ. كنت اريد ان اعود للشعور بإحساس الانتماء الذي يحويني بنعومة ولطف، مثل الجلوس في فصل الشتاء، مع بطانيّة دافئة أمام مدفأة. لكن منذ بداية سنواتي العشرين أشعر مثل اني اجلس في خوف وقلل بأن هذه البطانيّة سوف تحترق.
برغم صعوبة الامر لكنّي لا استطيع ان اغمض عيناي بعد. بالاضافة إلى ذلك، حسب رأيي من المهم ان نكون كلنا في وسط هذا المسار الدائم من التساؤل والنظر الأنتقاديّ حول واقعنا الصعب، وألّا لن يكون أي أمل للتغيير وهذا أمر لا يطاق. انا واعية بأن هذا المسار من المفضل سلكه من داخل فهم عميق للتعقيدات والصعوبات التي ستأتي مع الفهم والثمن الذي سندفعه، ذلك عن طريق بناء مساحات مجتمعيّة ننتمي إليها التي ستوفر لنا شبكة قوية تحمينا عند السقوط. هذا صحيح عندما "نعلّم التوراة" في وجوه عائلتنا والاصدقاء من العمل ومن الطبيعي عندما نتكلم مع الأشخاص الذين يظهرون لنا كناشطين/ات ذوي تجربة.
إذا رددت صدى كلمات فيكي شيران لروحها السلام - "خلق عالم جديد من خلال وشم غير عنيف للعالم القديم الظالم"، ليس فقط في المفهوم النشاط السياسي الواسع، بل أيضا في مسارات شخصيّة تخصنا وتخص البيئة المحيطة بنا; من منطلق أن نعمل من مكان نابع من حب وتسامح لانفسنا اولا و لشركائنا في الطريق، الذي على الأرجح سوف يرتكبون بعض الأخطاء مثلنا تماما، يتساءلون وحتى يقولوا أو يفعلوا أمور سوف تطن في اذننا. مثلما كتبت عنبار روشط بتمرّس في هذه المجلة، خلق "حيّزامن للخطأ".
سيرورة التعمق السياسيّ لا يمكنها أن تكون في حيّز وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك ومجموعات الواتس اب التي ليس بإمكانها أن تحتوي وتحلل التعقيدات. وايضا لا يمكنها أن تكون من خلال محادثة سريعة في وقفات احتجاجيّة. منظمات ومجموعات سياسيّة عليهن أن يخلقوا حيّز "فركسيس"، ويجب عليهن تقديس وقت وموارد كجزء لا يتجزأ من نشاطهن السياسيّ. داخل المنظمات التي أنا جزء منها بالأساس "חי.ה- פורום להטב"קי מזרחי- حاي. هي منتدى لمجتمع الميم الشرقيّ" و"שוברות קירות- نكسر الحيطان"، نحن نعمل على توفير تلك المساحات. بالإضافة، نحن كناشطات من المفضل أن نقدس موارد ووقت للتعلم، للبحث، للتأمل وبناء مجتمع، مثل نقل المعلومات, ان ننقل كل ما نعرفه. حسب رأيي فقط في هذه الطريقة تبدأ تغييرات جوهريّة في واقعنا المحطّم، وهذا الامر لا يقل أي اهميّة عن كل نشاطات الاحتجاج.
شيرلي كرفاني
ام دانييل، من مؤسسات "חי.ה- פורום להטב"קי מזרחי- حاي. هي منتدى لمجتمع الميم الشرقيّ" عضوة في اللجنة الاداريّة في "שוברות קירות- نكسر الحيطان"، نسويّة، شرقيّة كويريّة. تقطن في اشكلون.
コメント